بقلم د.أحمد جميل عزم
موقع الغد
31-01-2012
تبدأ في لبنان يوم الجمعة المقبل فعاليات “أسبوع التمثيل الفلسطيني”، والذي يأتي ضمن حملة “كامل الصوت الفلسطيني”. وتقدّمالدعوة وأجندة الأسبوع وأسماء المتحدثين، مؤشرات إضافية على حالة التململ الكبير في الأوساط الفلسطينية من موضوع التمثيل الشعبي، والقلق لا من تعطيل هذا التمثيل بتعطيل منظمة التحرير الفلسطينية، وعدم انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، وعدم تجديد عضويته منذ سنوات طويلة وحسب، بل وعن توجس مبكر من المشاريع المعلنة، من قبل الفصائل المتصارعة/المتصالحة، لأسس تجديد المجلس الوطني، وبالتالي المنظمة.
قد تكون الملاحظة الأولى على الأسبوع المذكور، عدم وقوف جهة محددة خلفه، ولكن من قال أنّ هذا مهمٌ في عصرنا الحالي؟ فمن الذي دعا للثورة المصرية، أو التونسية، أو السورية، أو اليمنية؟ من كان يتخيل أنّ حركة “كلنا خالد سعيد”، و”شباب 6إبريل”، و”كفاية”، ستستطيع تحريك الجماهير؟
تقدم ضخامة الفعالية التي نتحدث عنها مؤشراً أنّ فئات شعبية صاعدة باتت تتحرك، وأنّ زمن انتظار الفصائل انتهى.
الملاحظة الثانية، أنّ الفصائل استُثنيت من الحديث في الفعاليات! وإن تضمن الأسبوع تقييمات لمجمل الحراك السياسي والثوري في فلسطين؛ وهذا إعلان ضمني عن عدم الرضا عن مجمل الطروحات والهياكل القديمة. وتوضّح قراءة متأنية في أسماء المدعوين للحديث أننا أمام عملية “تشبيك”، وليس مجرد إعلان عشوائي لموقف. فاستضافة هويدا عرّاف، للحديث في موضوع “الحملات المدنية: مدخل لتجسيد برنامج نضالي فلسطيني”، واستضافة كرمة النابلسي، للحديث تحت عنوان “الإرادة الشعبية عصية على التدمير: بين نظرية التمثيل الديمقراطي والحملة الفلسطينية للانتخابات المباشرة للمجلس الوطني”، هما مثالان على عملية التشبيك في مثل هذه الفعاليات. فهويدا، المولودة والمقيمة أصلا في الولايات المتحدة، تجوب العالم لتنظيم فعاليات التضامن، وتقف خلف فعاليات “مدويّة” مثل سفن الحرية إلى غزة، وفعاليات في مناهضة الجدار. وهويدا التي نعرفها من أشرطة الفيديو التي تظهرها لا على السفن التي تكسر حصار غزة وحسب، بل وهي تعرّض نفسها لبنادق الاحتلال لمنعهم من إطلاق النار على الفلسطينيين، هي نموذج المقاومة الشعبية، الذي تمتدحه الفصائل يوميا، وتدّعي أنه برنامج عملها المقبل، دون أن نرى شيئا، سوى ما يبادر إليه الأفراد بأشخاصهم، وإن انتمى بعضهم للفصائل. أمّا النابلسي، الأكاديمية الفلسطينية في جامعة أوكسفورد، فسبق لها القيام بحملات عدة، منها حملة ستنطلق من المملكة المتحدة قريبا لتسجيل الناخبين الفلسطينيين المؤهلين للانتخاب، وبحسب التعريفات التي يضعها القائمون على الحملة، والتي سيستخدمون فيه وسائل إلكترونية عابرة للحدود لن يكون هناك استثناءات، كالتي تعلنها الفصائل، ومنها استثناء الأردن مثلا!.
الملاحظة الثالثة، أنّ مثل هذا الأسبوع، وحملات عرّاف والنابلسي، والتي يشبّك هذا الأسبوع بينها، كلها نشاطات تجري وسط غياب نشاط موازٍ للفصائل. وبالتالي قد تحدد مثل هذه القوى أجندة المرحلة وشعاراتها مستقبلا. فقد كنا نسمع في الماضي عن فعاليات فصائلية تناهض أو تؤيد المفاوضين مثلا، وتدعم برنامجا سياسيا أو تعارضه. أمّا الآن فالفصائل في لبنان مشغولة بصراعاتها وبحفظ الأمن ومصالح أعضائها، وفي فلسطين تحولت إلى سلطة، وبالتالي تترك ميدان العمل الشعبي والسياسي.
أما الملاحظة الرابعة، فتتضمن انتقادا للبرنامج المعلن؛ فرغم شمولية الموضوعات المطروحة للبحث، مثل بحث معنى صعود القوى الإسلامية بالنسبة لموضوع التمثيل، ونقاش برامج عمل فلسطينية مقبلة، وطرح تمثيل الشتات الفلسطيني في المجلس الوطني الفلسطيني المقبل، بل والحديث بشكل عملي عن حالات محددة كفلسطينيي الولايات المتحدة الأميركية، فإنّ الغائب الأكبر هو موضوع فلسطين المحتلة عام1948، وكيفية تمثيلها، وهي نقطة يجدر ألا تغيب، إذا كنا نتحدث عن “كامل الصوت الفلسطيني”، كامل الشعب الفلسطيني، كامل التراب الفلسطيني.
مثل هذا الأسبوع وشبكته من حملات ومجموعات وناشطين وناشطات، تعبير عن فجوة تزداد بين القوى التقليدية الفلسطينية- وتحديدا الفصائل بأنواعها وحكوماتها في الضفة والقطاع والشتات، وباقي قطاعات الشباب الفلسطيني, وتعبر عن قلق شعبي فلسطيني بات يُترجم نفسه بحراك منظم، لأخذ زمام المبادرة، وإنهاء حالة انتظار المفاوضات والمفاوضين، والمصالحة والمتصالحين، والعازمين على نوع مختلف من المقاومة. وقريبا سيطرح هؤلاء الناشطون أو غيرهم موضوع حل الدولتين، وقضايا أخرى رئيسية للنقاش.