معاذ مصلح
25-01-2012
من موقع – صوت شباب فلسطين
الشباب الفلسطيني على شفا هاوية جديدة. نعم، أفتتح مدونتي هذه بجملة هي الأكثر تشاؤماً بين كل ما كتبت. كنت دائماً أنعت بالشديد التفاؤل إلى حد الخيالية. لم يتبدل شيء في تفكيري. عندما كنت أرى الأمور من منظور مشرق، لم أكن حالماً. كانت فسحة الأمل هنالك وكنت أراها رغماً عن ما حولها من ظلام. والآن أنا أرى ولا أرى. أرى الهاوية، ولا أرى نهايتها.
أنا أعلم أن رأيي هذا لا يمثل أغلبية. وقد لا يكون يمثل أقلية أيضاً. ولكنها تمثلني وحدي. ورغم أني أعلم أن ما أتحدث به الآن قد يفقدني الكثير من الصداقات التي كونتها على مدار السنة الفائتة، ولكن عندما تضيق فسحة الحرية أمامك، تتشبث بالقليل الذي تملك. وكل ما أملك من حرية الآن هو تعبيري عن رأيي. وأعلم أني إذا فقدتها تضيع بوصلتي. ولكي لا أطيل أكثر بمقدمتي، سأبدأ بالقول أن ما أقوله قد يمس أشخاصاً بعينهم. ولكنه ليس بالنميمة مطلقاً. لأني فشلت دوماً في درء أرائي عن من حولي. ليس لأني كثير الكلام، ولكن لأني قليل السكوت.
كان الشباب هم نواة الثورات والتحركات الشعبية الفلسطينية على مدار القرن الماضي. في الساحة الفلسطينية حالياً ما يناهز العشرين فصيلاً وحزباً. في معظمها، بدأت بوادر تكوينها من طلاب جامعيين أو حديثي التخريج. ومنذ نشأت الفصائل وهي منقسمة ومتقاتلة. وأبوا خلال الخمسين سنة الماضية أن يتوحدوا إلا ما ندر. فبات لكل فصيل شعبه. ولم يبقى لفلسطين شعب.
وهرم مؤسسوا تلك الفصائل، ومازالوا متشبثين بأعلى الهرم. وكأنما الله خلق معجزة في خلقهم لا يمكن أن تتكرر بعدهم. فباتوا آلهة شعوبهم. فهم كما إله الكنعانيين “عانات”، يصنعون حرباً متى شاؤوا أو كشالم يصنعون سلماً يرضِخون له الجميع. وبات لكل فصيل قائمة شرف، من شهداء وأسرى وتضحيات، يزفونها لشعبهم كلما حان وقتها. فبات الشعب الفلسطيني يحمل جمايل لا حصر لها. ونسوا أنه وإن لقائمتهم نصف قرن من لوائح الشرف، فلفلسطين 10000 سنة من التاريخ والحضارة وقوائم شرف لا تعد ولاتحصى. ولو أني لم أدخل بعد في لب الحديث، ولكني رأيت في هذه المقدمة ضرورة لرسم الصورة كاملة. فبعد سنين من التفرقة، بات واضحاً للجيل الجديد ضرورة الوحدة. ورغم وحدة الهدف “نظرياً” ولكن كل فصيل كتب الهدف ذاته بلونٍ خاصٍ. فباتت الألوان تفرقنا. ونما جيل جديد بات يؤمن ولو “نظرياً” بضرورة توحيد العمل تحت لون واحد. هو فلسطين.
انطلقت شرارة الحركات الشبابية الجديدة قبل سنة من الآن. تكونت متأثرةً بما يحدث على الساحات العربية. وكان أول حدث جلل ينظمونه هي مظاهرات انهاء الانقسام في 15 آذار. ولكنهم أبوا إلا أن يستكملوا مسيرة من قبلهم فاستهلوا حراكهم منقسمين. قسم يتبع للفصائل والأحزاب. وقسم خرج من رحم الفصائل والأحزاب ليكون حراكاً شبابياً مستقلاً، ولكن ليتكونوا في النهاية على شاكلة تلك الأحزاب القديمة. ومجموعات أخرى كوّنها أصدقاء انغلقوا على أنفسهم بنوع من الفوقية المتعالية. ورغم ذلك لم ينجحوا في الاستمرار لأن حدود الصداقة والعمل كانت متداخلة. وآخر صنف من المجموعات هي التي بات يحاول تكوينها سياسيون قدماء لم يفلحوا بالوصول إلى مبتغاهم، فأرادوا استخدام الشباب لذلك.
طبعاً ما ذكرت خصّ المجموعات الشبابية السياسية فقط وليست تلك الناشطة في المجالات المجتمعية وغيرها. رغم أن كلاهما يكمل بعضه الآخر.
بدأت المجموعات في العمل معاً متنافسين في يوم 15 آذار. قبل أن يفشل كلهم في حشد طاقات شباب أكثر. فحاولوا مراراً توحيد جهود العمل. ولكنها كلها باءت بالفشل. ليس لأي سبب ولكن لرفض أشخاص بعينهم لتلك الوحدة. فحيث انتظرت حركتي فتح وحماس 20 عاماً من الخلافات لتنقسما انقساماً مدوياً، لم تنتظر تلك المجموعتين أكثر من 3 ايام. وتطابقاً لما يحدث مع فتح وحماس، فقد بدأ كل طرف يكيل الاتهامات للآخر.
بعد عدة أشهر تفككت مجموعات وبقيت أخرى نشطة. ورغم ذلك لم يتمكنوا من الحشد فباتوا يصارعون ليلبسوا أي شخص لونهم علهم يحسبون عليهم. ولكنهم أيضاً فشلوا.
والآن مع امكانية اقتراب الانتخابات، فأبوا إلا أن يذكرونا بماض مرير وحاضر أمر.
أول صورة ترتسم أمامي هي تلك الفصائل المدعية التمسك بالحقوق الفلسطينية كاملة، وفي نفس الوقت صوتوا لالغاء الميثاق الوطني ورفضوا أوسلو لفظياً ولكنهم شاركوا في انتخابات أوسلو لكي يحصلوا على المناصب اللامعة. والآن مجموعات شبابية تتحدث بانتخابات مجلس وطني مباشرة في جميع أماكن التواجد، ولكن الفصائل ترفض وتعلن استثناء 40% من الشعب الفلسطيني إلى حد الآن من المشاركة وقد يصل الرقم إلى 60 أو 70%. ورغم ذلك قائمة الشباب جاهزة لخوض الانتخابات. وسيسوقون لنا نفس الحجج القديمة.
والصورة من الحاضر، هي اتفاق المحاصصة بين الإخوة الأعداء فتح وحماس. وهنا تجتمع مجموعتين رفضوا العمل معاً سابقاً. وكانت أكثر من رفض. كان كرهاً أكثر من كره الصهيوني. إلى حد وصف من يتعامل مع الآخر بالعميل. ولكنهم اتفقوا الآن. مع قرب الانتخابات وفشل الطرفين في حشد أكثر من عشرين شخصاً في نشاطاتهم السابقة، عادوا ليوحدوا جهودهم وقائمتهم للانتخابات القادمة.
وجه الاختلاف الوحيد أن تلك الفصائل التي رسمت الصورتين تستغل قوائم أسراها وشهدائها. أما هؤلاء الشباب فماذا عندهم من فعل وتضحيات؟ توحدوا ليحشدوا ضد المفاوضات ونزلوا قبالة المقاطعة لاعطاء شرعية لسلطة أوسلو لـ”قيادتهم”. وطلبوا منها وضع استراتجية مقاومة لهم. ذهبوا لتثبيت “شرعية” السلطة. وسمحت لهم السلطة بالتظاهر. لم تعتدي إلا على من هتف ضد السلطة. ولكنها سمحت لباقي الشباب الذين نزلوا لتأييد “قيادتهم” بالتظاهر. يريدون أن يضع لهم أبو مازن استراتيجية مقاومة؟ “مين ماسكم..انزلوا قاوموا”.
غداً عندما تأتي الانتخابات وينزل الشباب بقائمتهم الغضة قد يدقون المسمار الأخير في نعش الشباب الفلسطيني. فإذا فشلوا لن يؤيدهم الناس عندما يتحركون ضد المجلس الوطني غير الشرعي (باعتبار أن معظم الفلسطينيين لن يشاركوا في التصويت). فببساطة لأنهم تحركوا ضده بعد أن فشلوا بالانتخابات. وان استطاعوا الحصول على مقعد…فسيكون مقعداً للعواء. هم لا يشكلون فقط خطر على مجموعاتهم وتجمعاتهم، هم يشكلون كارثة وخطر على جميع التحرك الشبابي الفلسطيني.
ولكي أضمن أن لا يراجعني أحد فيما قلت قبل أن يقطعوا علاقتهم بي. فسأنهي مدونتي بوضوح.
طز في كل واحد منتمي لفصيل ويعتبر فصيله أهم من فلسطين. وطز في كل واحد بيحكي حل وسط ودبلوماسية ومرحلية عندما نتحدث عن حقوق الفلسطينيين. وطز في كل واحد رح يشارك بانتخابات المجلس الوطني لو ما شاركوا جميع الفلسطينيين في الانتخاب. وطز في كل واحد منافق. وعشان أريحكم (اللي مش عاجبو شو حكيت) أيوه أنا هيك…شو استغلالي؟ طيب أنا استغلالي…حقود؟ مزبوط أنا حقود…عميل؟ فليكن… وخليني ابلش أعد أصحاب من جديد..
“يا أيها الحق لم تترك لي صديقا“