أحمد جميل عزم
موقع الغد
كتبتُ في آب (أغسطس) 2010 مقالا بهذا العنوان، فحينها استخدم “حزب الله”، في مهرجان الاحتفال بالذكرى الرابعة
لانتصاره على العدوان الإسرائيلي، شعارا هو “إذا ضربتم ضربنا”. وهو ما قلتُ حينها أنّه يحمل المعنى الآخر، أي “إذا لم تضربوا لن نضرب”. أي أنّ الوضع الراهن بين الطرفين يمكن أن يستمر طالما حافظ عليه الجانبان. ومنذ ذلك الحين لا يبدو أنّ أحداً قد ضرب الآخر في جبهة لبنان – إسرائيل؛ فلم تضرب إسرائيل، ولم يضرب الحزب، وأُغلقت الجبهة.
وبينما تستمر مساعي العودة للتهدئة في غزة، بعد المواجهات التي بدأت بعمليات الاغتيال الإسرائيلية الأخيرة، فإنّ من قال الجملة هذه المرة هم الإسرائيليون، وإذ لا نصدقهم بالضرورة، ولكن احتمال وصول جبهة غزة هذه المعادلة ممكن؛ وقد قال نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، موشيه يَعَلون، نحن في الوقت الحالي، لا نفاوض “حماس”، ولكننا أوصلنا رسالة (عبر المصريين على الأغلب): “إذا لم تطلقوا (النار) فلن نطلق”.
تريد إسرائيل من تصعيدها الأخير تحقيق أهدافٍ منها اختبار قبة الدفاع الصاروخي التي قامت بتركيبها، وعمليّا بدون تجربتها سيبدو تركيبها تبذيرا للأموال الطائلة، ولا مبرر للتوسع فيها، ومن جهة ثانية أرادت إسرائيل معرفة مدى القوة الصاروخية في غزة وعرفت جزءاً من ذلك، على الأقل، كما اختبرت إسرائيل التزام الفصيلين الكبيرين بوقف المقاومة المسلحة. ولكن ما يعرفه الإسرائيليون، أنّ القبة الصاروخية لم تجنِ فائدة تُذكر، فإذا ما استطاع هذا النظام الدفاعي اعتراض غالبية الصواريخ، فإنّه لم يمنع تعطيل حياة مئات الآلاف، وإصابتهم بحالة الرعب، كما اتضح أنّ تحييد الفصائل الكبيرة لا يحيّد المقاومة، من حيث المبدأ، وتأكدت قوة الردع الغزّي.
لقد اتضح في هذه الأحداث أنّ التهدئة أمر تكاد لا تختلف عليه فصائل غزة من حيث المبدأ، ولكن هناك تباينا من حيث النظر إلى الشروط، فقد نشطت حماس سريعا لطلب وساطة خارجية لعودة التهدئة السابقة، وإسرائيل كذلك، ولكن ذلك عمليا ليس من المصلحة الفلسطينية، وسيتحقق مكسب فلسطيني فقط إذا تم تنفيذ ما يطلبه تنظيم الجهاد الإسلامي، فقد نقلت وكالات أنباء عن “مصدر مسؤول” في الحركة قوله “يجب أن تتضمن التهدئة تعهداً ملزماً للاحتلال بعدم العودة إلى سياسة الاغتيالات”، مشدداً على أنه بدون ذلك التعهد لن تكون هناك تهدئة.
بهذا المعنى هناك نتيجة وسؤالان؛ النتيجة هي أنّه بالنسبة للمقاومة فقد وصلت مرحلة: “إذا ضربتم نضرب”، والمطلوب الوصول لمرحلة “لا تضربوا ولا نضرب”، خاصة أنّ المقاومة أوقفت الكفاح المسلح من غزة، وأصبح السلاح للردع. أمّا الأسئلة فأولها: كيف يمكن الوصول لهذه الحالة؟ وثانيها: ماذا إذا وصلناها؟
قد تؤدي الضغوط على “الجهاد” وغيره للعودة للتهدئة السابقة، ولكن الثمن الذي دفعته إسرائيل لقاء الاغتيال الذي قامت به، ليس بالحجم الذي يؤدي إلى لجمها كليّا، مع أنّ ردة الفعل فاقت توقعات إسرائيل، ولقنتها درساً. وإذا أُريد الوصول لمرحلة “لا تضربوا ولا نضرب”، فلا بد من تحقيق ما تريده “الجهاد” من تعهد إسرائيلي بعدم القيام باعتداءات بما في ذلك الاغتيالات، أو أنّ حرب الصواريخ ورد الفعل العنيف تحتاج للاستمرار، وكلما استمرت أكثر فإنّها تزيد من قوة الردع مستقبليّا، مع أنّ الوجه الآخر لهذا التواصل هو سياسة “حافة الهاوية” بقيام إسرائيل بعمليات كبرى من القصف والاجتياح والاغتيال.
أمّا بالنسبة للسؤال الثاني (ماذا إذا تم الوصول لهذه الحالة؟)، وهو أمر كما أسلفنا تسعى له الفصائل في غزة، فإنّ هذا يطرح سؤال: ما العمل؟ ما هي الأشكال والميادين الجديدة للمقاومة؟ لأنّ حالة الجمود قد تخدم استكمال تحرير غزة، ولكنها تعني عمليا جمودا رسميا لأداة الكفاح المسلح، لا انطلاقا من غزة وحسب، بل ومن كل الجبهات، ما يفرض التخلي عن حالة الانشغال بالخلافات الداخلية، وبلورة أدوات المقاومة الشعبية وغيرها من أنواع المقاومة، التي تشمل كل أماكن وجود الفلسطينيين، في فلسطين من البحر إلى النهر وفي ومن الشتات، بدلا من الاكتفاء بتسجيل النقاط بين الفصائل في الخلاف الداخلي.